بيئة الأعمال في عام ٢٠٢٠م
نجمت عن جائحة (كورونا) - التي استمرت معظم شهور عام ٢٠٢٠م - اضطرابات كبيرة على مستوى سلاسل الإمدادات، وطلب المنتجات، وحركة التجارة العالمية، فضلًا عن توقف حركة السفر في الكرة الأرضية، وصاحبت ذلك عمليات إغلاق وانهيارات في أسواق الأسهم، ما وجّه ضربة قوية للاقتصاد العالمي وتعرضه لانكماش حاد.
شهد العام تغيرات غير مسبوقة؛ حيث اتجهت معظم الاقتصادات المتقدمة الرئيسة- بما في ذلك الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وكذلك الاقتصادات الناشئة، مثل: الصين والهند، وأيضًا اقتصادات أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط وأفريقيا- نحو الركود في بعض المناطق أو التباطؤ الشديد في مناطق أخرى. وفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين الأضرار في بيئة الأعمال وأثر سلبًا على مناخ الاستثمار حول العالم، وفي محاولة لاستيعاب صدمة الانكماش الاقتصادي؛ لجأ صناع السياسات في العديد من البلدان إلى تقديم المزيد من الحوافز النقدية والمالية لتخفيف وطأة التأثيرات الاقتصادية السلبية.
الاقتصادات المتقدمة والناشئة
عانت الاقتصادات المتقدمة والناشئة انكماشًا حادًّا خلال عام ٢٠٢٠م نتيجة انتشار الجائحة بعد أن سجلت معدلات نمو معتدلة في عام ٢٠١٩م. وشهدت جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسة تدهورًا شاملًا، بما في ذلك الاستثمارات الثابتة، والاستهلاك الخاص، والتجارة، والإنتاج الصناعي، فيما شكلت أسعار الطاقة المتدنية والطلب المنخفض لمنتجات النفط والطاقة ضربة أخرى للنمو في البلدان الرئيسة المنتجة للنفط والسلع الأساسية.
الاقتصادات الإقليمية
تراجع النشاط الاقتصادي في المملكة جرَّاء جائحة (كورونا)؛ حيث أدت إجراءات الإغلاق التي اتخذتها الحكومة لوقف انتشار الوباء إلى تجميد النشاط في العديد من القطاعات؛ حيث توقفت مناسك العمرة في معظم شهور عام ٢٠٢٠م، ما أثر بشدة على شركات الخدمات ذات الصلة بهذا المجال، فيما واصل الإنتاج الصناعي تراجعه. وقد أدت هذه الظروف مجتمعة - إلى جانب انخفاض أسعار النفط وتراجع عائدات الهيدروكربونات - إلى حدوث ركود حاد في المملكة، وعلى الجانب الآخر دفع التباطؤ في السياحة الخارجية إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي في الاقتصاد المحلي. في المقابل؛ شهدت الولايات المتحدة ركودًا في عام ٢٠٢٠م جراء الجائحة وتداعياتها، وتصاعدت حالة القلق وعدم اليقين، واتسعت المخاطر، وأصابت أسواق الأسهم تقلبات حادة، ما أدى إلى خسارة تريليونات الدولارات من صافي الثروة المعيشية للأسر على مدار العام.
نتيجة لذلك، سادت حالة من الحذر في الإنفاق الاستهلاكي، وعلّقت الشركات بعض استثماراتها ترقبًا لتحسن التوقعات، كما تراجعت حركة التجارة العالمية بشكل حاد. مع ذلك ظل قطاع الإنشاءات السكنية نقطة مضيئة خلال فترة الجائحة، حيث انتعش بسرعة استجابةً لخفض معدلات الرهن العقاري وزيادة الطلب على منازل الأسرة الواحدة في الضواحي، علاوة على أن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية أضاء بوادر أمل وتحسنًا في مناخ الأعمال بالولايات المتحدة الأمريكية. كما مُنِيَ النشاط الاقتصادي في الصين بانخفاض حاد نتيجة التدابير التي نفذتها الحكومة للسيطرة على الفيروس، لا سيما خلال النصف الأول من عام ٢٠٢٠م، حيث انكمش نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل كبير، وتضررت جميع قطاعات الاقتصاد الرئيسة تقريبًا، وكان الإنفاق الاستهلاكي والصادرات الأكثر تضررًا.
وقد نفذت الحكومة الصينية حزمة من الإجراءات التحفيزية لمواجهة ذلك؛ أبرزها تخفيض الضرائب والرسوم على الشركات، وتحويل دفة الإقراض المصرفي إلى الشركات الخاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم، وقام البنك المركزي بتوسيع سياساته النقدية لزيادة السيولة في منظومة الاقتصاد ودعم النمو. وقد أدت تلك التغييرات في السياسات المالية والنقدية الحكومية إلى تحويل مسار البطء في الاقتصاد الصيني الهيكلي، الذي تم تصميمه لنقل البلاد من اقتصاد تقوده الدولة ويقوده الاستثمار، إلى اقتصاد مُوجّه نحو السوق ونحو الاستهلاك. كذلك عانت منطقة اليورو من ركود حاد نتيجة الجائحة وقيود الإغلاق التي رافقتها، وشهدت جميع الاقتصادات الرئيسة في المنطقة ركودًا وتباطؤًا حادًّا؛ حيث عانت إسبانيا وإيطاليا وفرنسا من انخفاض بواقع رقمين عشريين في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، ما يعكس شدة وطأة تأثيرات الجائحة على تلك البلدان.
وفي محاولة لتدارك آثار الجائحة، زادت هذه الدول مشتريات الأصول من البنك المركزي الأوروبي بنسبة كبيرة، وأطلقت حزم تحفيز مالية كبيرة لمواطنيها، كما دشن الاتحاد الأوروبي صندوق (التعافي والمرونة) بميزانية ٧٥٠ مليار يورو سعيًا لإنعاش اقتصادات الدول الأعضاء. وبشكل عام، حافظت السياسة النقدية على تماسكها في ظل انخفاض التضخم، لكن الزيادات المرتفعة في أعباء الديون شكّلت مخاطر سلبية على آفاق النمو طويل الأجل في العديد من البلدان، إلى جانب التحديات الديموغرافية والأداء الضعيف للإنتاجية.
اتجاهات قطاع الصناعة
شهد الإنتاج الصناعي العالمي - الذي كان ينمو بوتيرة بطيئة في عام ٢٠١٩م - انكماشًا شديدًا خلال عام ٢٠٢٠م، أسهمت فيه الاقتصادات المتقدمة والناشئة معًا، إلا أن الانكماش الصناعي كان أكثر وضوحًا في الاقتصادات المتقدمة، خاصة في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان والصين والهند؛ حيث عانت من تباطؤ ملحوظ في نمو الإنتاج الصناعي.
اتجاهات صناعة البتروكيماويات
تراجع خلال العام ٢٠٢٠م نمو الطلب السنوي في صناعة البتروكيماويات بأكثر من ٤٪ على أساس سنوي، وانخفضت الأسعار بنسبة تراوحت بين ٤٠٪ إلى ٥٠٪ لبعض المنتجات، وبلغ الانخفاض ذروته خلال الربع الثاني من العام. وقد بدأ الطلب في التعافي مع قيام الحكومات في جميع أنحاء العالم بتخفيف إجراءات الإغلاق خلال الربع الثالث، ولكن ليس إلى مستوى ما قبل الأزمة. وعلى صعيد الإمدادات، تسببت جداول الصيانة الدورية الشاملة في جميع أنحاء العالم - إلى جانب عمليات الإغلاق المرتبطة بموسم الأعاصير في الولايات المتحدة - في انخفاض الإمدادات الأمريكية والعالمية، ما أسهم في منع حدوث مزيد من الانخفاضات في الأسعار خلال عام ٢٠٢٠م؛ فيما ظل الانتعاش بطيئًا بالنسبة لبعض المنتجات، مثل: البوليمرات والكيماويات المتخصصة وعالية الأداء، تبعًا للتباطؤ في قطاعات الصناعات التحويلية الأساسية، مثل: السيارات والسلع المعمرة. على النقيض، أدت زيادة الطلب في صناعات مثل: المنظفات والرعاية الصحية والتغليف، إلى نتائج قوية في طلب البتروكيماويات. كما ظلت أسعار المغذيات الزراعية ضعيفة حيث تجاوز العرض الطلب العالمي؛ وتمثلت النقطة المضيئة في منتجات البولي بروبيلين المستخدمة في صناعة الأقنعة الواقية والعباءات، ومنتجات البولي إيثيلين المستخدمة في صناعة جميع أنواع العبوات.
اتجاهات المواد الخام
تراجعت أسعار المواد الأولية للبتروكيماويات تبعًا للوضع الاقتصادي العالمي على غرار أسعار النفط التي تراجعت بنسبة ٦٠٪ في الربع الثاني من عام ٢٠٢٠م، حيث تدفقت العروض بكثافة إلى الأسواق وكانت في الأصل تعاني من أزمة انخفاض الطلب. ومع انهيار (تحالف فيينا)، تعرضت أسواق النفط لصدمة مزدوجة غير مسبوقة: أزمة الطلب وحرب حصص السوق، ما دفع الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ عدة عقود. وبحلول الربع الثالث من العام تعافت الأسعار نتيجة التنسيق بين أعضاء منظمة (أوبك +) للسيطرة على العرض، إلى جانب تعافي الطلب بشكل طفيف نتيجة التخفيف التدريجي لقيود السفر.
وتأثرت أسعار مواد اللقيم للبتروكيماويات بالظروف الاقتصادية العالمية وتراجعت متبعة حركة أسعار النفط وتبعتها هبوطًا. وبالمقارنة مع عام ٢٠١٩م؛ انخفضت أسعار النفط بحوالي ٢٥٪ (على أساس سنوي في المتوسط) ليتراوح متوسط سعر خام برنت ما بين ٤٠ إلى ٤٥ دولارًا للبرميل. كما انخفضت أسعار النافتا بنسبة مماثلة تقريبًا حوالي ٢٧٪، وأسعار الإيثان الأمريكي بنحو ٥٪، وأسعار الغاز الطبيعي الأمريكي بنحو ٢١٪، وكذلك انخفضت أسعار الغاز النفطي المسال في آسيا بنحو ١٨٪ مع ضعف الطلب نتيجة التباطؤ الاقتصادي العالمي.