بيئة الأعمال في عام 2022 م والتطلعات المستقبلية لعام 2023 م
بيئة الأعمال في 2022م
الاقتصاد العالمي عام 2022 م:
يواجه النشاط الاقتصادي العالمي تباطؤًا أكثر حدة مما كان متوقعًا، وبلغ التضخم أعلى مستوياته منذ سنوات عديدة. وكان النمو هذا العام هو الأضعف منذ عام 2001 م باستثناء مرحلة الذروة أثناء جائحة كورونا (كوفيد- 19 ) والأزمة المالية العالمية ( 2009-2007 ). وأدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتشديد الأوضاع المالية في جميع أنحاء العالم- إلى جانب استمرار الجائحة- إلى إرباك الأسواق العالمية، وإحداث تضخم عالمي أسهم في التباطؤ الاقتصادي الذي شهده عام 2022 م.
كما أضاف الصراع الروسي الأوكراني مزيدًا من الضغط على الإمدادات مسببًا ارتفاع أسعار السلع في وقت بدأ فيه تشديد الأوضاع المالية يدخل حيز التنفيذ. وُيمكن وصف الوضع العالمي الحالي بأنه ركود في النمو ترتفع فيه البطالة ويقل فيه نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عن النسب المتوقعة، ومع ذلك أسهمت الاستجابات الأولية للسياسات العالمية في تجنب أسوأ النتائج الاقتصادية، وغذّت "الطلب" بينما تعافى "العرض" ببطء.
الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة:
تلقت الاقتصادات المتقدمة أغلب الآثار المفاجئة المتعلقة بالتضخم، فيما تباينت هذه الآثار في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. من المتوقع ان تكون لارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، إلى جانب انحسار معظم التدابير المرتبطة بجائحة (كوفيد- 19 ) خلال 2022 م، آثارُ غير مباشرة على الاقتصادات الناشئة والنامية. وقد بلغ التضخم في الاقتصادات المتقدمة أعلى مُعدل له منذ عام 1982 م.
كما تسبب الصراع الروسي الأوكراني في تعطل سلاسل الإمدادات ما زاد الضغوط التضخمية، وأدى شُح القوى العاملة في العديد من الاقتصادات المتقدمة إلى ارتفاع معدلات الأجور، وتصاعدت أسعار الطاقة لا سيما في أوروبا الغربية التي تشهد ارتفاعًا استثنائيًا في أسعار الغاز الطبيعي.
الاقتصادات الإقليمية:
شهدت مناطق آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط وأفريقيا معدلات نمو معتدلة قابلها ضعف في مناطق أمريكا وأوروبا. وبشكل خاص، شهدت اقتصادات أوروبا وأمريكا الشمالية- التي تمثل نصف الناتج العالمي- ركودًا في النمو في الأوقات الأخيرة من عام 2022 م.
وقد أدى ارتفاع التضخم وتشديد السياسات النقدية إلى تقويض الإنفاق الاستهلاكي وتراجع القطاع الإنشائي والاستثمار التجاري، وتسببت أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية في ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بأوروبا، بينما شهدت آسيا تأثيرًا أكثر اعتدالًًا على أسعار الطاقة والغذاء، ما ساعد على منع التضخم من الارتفاع بالشكل الذي شهدته المناطق الأخرى. ورغم هذه الظروف استفادت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من زيادة صادرات الطاقة.
الإنتاج الصناعي العالمي:
شهد عام 2022 م انتعاشًا اقتصادًيا هشًا غلب عليه ضعف في الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة ومخرجات الخدمات والصادرات؛ حيث تباطأ الإنتاج الصناعي في الصين جرَّاء التراجع غير المتوقع في الصادرات إلى جانب الاضطرابات الناجمة عن تفشي مُتغير(أوميكرون). في الوقت نفسه انخفض الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة أواخر عام 2022 م نتيجة انخفاض معدلات التصنيع والتعدين، فيما كان انخفاض معدلات التصنيع هو الشائع بين جميع المجموعات الصناعية، إذ سجل قطاع صناعة السيارات وقطع غيارها أكبر خسارة.
وفي ظل التراجع الدائم وغير الدائم في معدلات التصنيع، فمن الواضح أن هناك انكماشًا وشيكًًا سيشهده قطاع الإنتاج الصناعي.
أسواق اللقيم خلال 2022 م:
ارتفعت الأسعار العالمية للنافثا وغاز البترول المسال بحلول نهاية الربع الأول من عام 2022 م وبلغت مستويات تاريخية نتيجة ارتفاع أسعار النفط ومخاوف انخفاض الإمدادات من روسيا وأوروبا بسبب الصراع في أوكرانيا، غير ان الأسعار بدأت منذ ذلك الوقت في الانخفاض ببطء مع انخفاض أسعار النفط وتراجع الطلب العالمي نتيجة لتراجع نمو الاقتصاد العالمي. كما أسهمت في انخفاض الأسعار مجموعة أخرى من العوامل، بما في ذلك إجراءات الإغلاق في الصين جراء جائحة (كوفيد- 19 )، وتراجع الطلب من قبل قطاع الصناعات التحويلية العالمي وسط تقلص هوامش الربح للأوليفينات، وحالات الانقطاع المتعددة في وحدات التكسير المخططة وغير المخططة على مستوى العالم.
كذلك ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي العالمية مسجلة مستويات تاريخية في نهاية الربع الأول من عام 2022 م نتيجة الصراع في أوكرانيا. ومنذ ذلك الوقت شهدت الأسعار تقلبات شديدة مع بدء روسيا في خفض إمداداتها إلى أوروبا، وازدادت التقلبات حدة جرَّاء المنافسة الحادة بين أوروبا وآسيا على شحنات الغاز الطبيعي المسال. وجاء ارتفاع أسعار الغاز في الولايات المتحدة نتيجة لضعف معدلات نمو الإنتاج بسبب محاولة المنتجين هناك تحسين الوضع المالي لشركاتهم، وكذلك نتيجة لارتفاع الطلب المحلي نتيجة تراجع استهلاك الفحم في انتاج الطاقة. وساعد في دعم الأسعار أيضاً تزايد الطلب الأوروبي للغاز الطبيعي المسال الأمريكي.
التطلعات المستقبلية لعام 2023م
نظرة إلى مستقبل الاقتصاد العالمي:
تعتمد التوقعات الاقتصادية العالمية بشكل أساسي على الاختيار الناجح للسياسات النقدية والمالية، وآفاق النمو في بر الصين الرئيس، وديناميكية الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وتظل المخاطر الاقتصادية قائمة بشكل غير عادي لأسباب عدة منها احتمال أن تكون السياسة النقدية لمكافحة التضخم خاطئة وغير متبعة للنهج الصحيح، واحتمال أن تؤدي الممارسات السياسية المختلفة في أكبر اقتصادات العالم إلى تفاقم ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي، وكذلك احتمال أن يقود تشديد الأوضاع المالية إلى أزمة ديون في الأسواق الناشئة، وأن تسبب أزمة قطاع العقارات في الصين ضعف النمو إذا ساءت.
يتوقع أن تواصل البنوك المركزية الرئيسة رفع أسعار الفائدة في عام 2023 م لمكافحة التضخم عن طريق إبطاء نمو الطلب الكلي. ومع استمرار العالم في الانتقال تدريجيًا - فيما يخص فيروس كورونا (كوفيد- 19 ) - من مرحلة الجائحة إلى مرحلة التعايش مع المرض، يرَجَّح أن تكون هناك حالات متكررة من نقص المعروض مرتبطة بظروف الجائحة، ما سيدعم تعافي أسعار السلع المتضررة في العام المقبل.
الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة:
يتوقع أن يتوسع الاقتصاد العالمي في العام المقبل وإن كان بشكل أبطأ. كما يتوقع أن تقود الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية حركة النمو ويتجاوز معدل نموها معدلات نمو الاقتصادات المتقدمة، فيما تحافظ المرونة في الأسواق الناشئة بالشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا على استمرار تقدم الاقتصاد العالمي ولكن بوتيرة بطيئة.
كذلك يتوقع أن يؤثر التباطؤ في منطقة اليورو والصراع الروسي الأوكراني المستمر على نمو السوق الأوروبية. ومن المتوقع أيضًا أن تواصل شروط الاقتراض البنكي الجديدة للبيع بالجملة التدهور مع زيادة معدلات الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، على الأقل خلال أوائل عام 2023 م.
إن حدة استمرار التضخم المرتفع جنبًا إلى جنب مع جهود البنك المركزي للتعامل معه هي ما سيُحدد درجة التباطؤ في تلك الاقتصادات، وستكون مصدرًا للتداعيات المحتملة على الاقتصادات الناشئة والنامية. ومن منظور تاريخي فقد تم التوصل إلى العديد من الاستنتاجات التي تربط بين أزمة البنوك الناشئة في الأسواق المالية وتشديد السياسات النقدية في الاقتصادات المتقدمة، مثل الأزمة المالية الآسيوية خلال التسعينيات.
الاقتصادات الإقليمية:
من المتوقع أن تقود منطقة آسيا والمحيط الهادئ النمو العالمي في عام 2023 م رغم بوادر الركود التي تلوح في أفق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. كما يتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفاضًا حادًا في النشاط الاقتصادي بعد النمو بالغ القوة الذي حققته عام 2022 م؛ ويرجع ذلك إلى اعتدال أسعار النفط مقارنة بذروة عام 2022 م، وارتفاع أسعار الفائدة، والطلب العالمي الهش.
بالمثل، ستخضع منطقة أمريكا اللاتينية لمعدل نمو أبطأ في ظل زيادة مخاطر الركود مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمنطقة اليورو، حيث سيكون المستهلكون والشركات الأكثر تضررًا من الغزو الروسي لأوكرانيا والارتفاع المرتبط به في أسعار الطاقة. ومن المتوقع أن تدفع الظروف المالية المشددة الاقتصاد الأمريكي إلى الركود في أوائل عام 2023 م، لكن الأسواق الناشئة التنافسية في آسيا والمحيط الهادئ ستولد حركة نمو قوية عبر الاستفادة من تحرير التجارة الإقليمية.
الإنتاج الصناعي العالمي:
تتوقع (سابك) تباطؤًا في نمو الإنتاج الصناعي العالمي تبعًا لتوقف الإصلاحات الاقتصادية. ونظرًا لأهمية الصادرات للعديد من اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ فإنه من المحتمل أن يؤدي التباطؤ الكبير في التجارة العالمية إلى الإضرار بالإنتاج الصناعي والصادرات بتلك المنطقة، وقد تضررت اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ بالفعل من تقلبات أسواق المال والعملات خلال عام 2022 م، وهناك خطر من إمكان امتداد درجة الضرر وتصاعدها في عام 2023 م.
ومع ذلك، فإن الإنتاج الصناعي بالصين لديه القدرة على النمو أكثر في عام 2023 م اعتمادًا على سياسة الصين تجاه جائحة (كوفيد- 19 ) واستراتيجية الإغلاق هناك.
توقعات أسواق مواد اللقيم في 2023 م:
من المتوقع أن تشهد أسعار مواد اللقيم في عام 2023 م ارتفاعًا مقارنة بمستويات الربع الرابع من عام 2022 م. وسيكون ارتفاع الأسعار نتيجة للطلب القوي في فصل الشتاء وأيضا عقوبات الاتحاد الأوروبي على روسيا المتعلقة بالمنتجات النفطية، ثم إعادة فتح الصين للاقتصاد بعد عمليات الإغلاق الطويلة التي شهدتها البلاد للتحكم في جائحة (كوفيد- 19 ). فضلًًا عن ذلك، يتوقع أن تشهد السوق طلبًا متزايدًا من وحدات التكسير نتيجة لدخول طاقات إنتاجية إضافية، كما يتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى دعم أسعار غاز البترول المسال حيث يصبح مصدر طاقة بديلًًا أرخص.
وبشكل عام، سيكون ارتفاع الأسعار محدودًا ولا يتوقع ان تعود الأسعار الى المستويات التاريخية التي بلغتها في الربع الأول من عام 2022 م ويعود السبب في ذلك الى زيادة العرض وتراجع الطلب. وستأتي زيادة العرض من النمو القوي لعمليات التكرير في الصين والهند والخليج العربي، اما التراجع في الطلب فسيكون نتيجة لتراجع نمو الاقتصاد العالمي.