رؤية قيادة (سابك) الرئيس التنفيذي
عبد الرحمن بن صالح الفقيه
الرئيس التنفيذي
بعد اجتيازها عامًا غير اعتيادي اتسم بدورات اقتصادية شديدة التباين، أصبحت (سابك) الآن على عتبة مرحلة جديدة واعدة في مسيرتها التنموية، قادرة بفضل وضعها الاستراتيجي القوي على التعامل بشكل أفضل، ليس فقط مع تقلبات الاقتصاد الكلي، ولكن أيضًا مع التغيرات الهيكلية طويلة الأجل المتعلقة بالحياد الكربوني وسلاسل القيمة الدائرية.
حافظت الشركة خلال عام 2022م على أداء قوي ثابت بمجال السلامة، إلا أن أداءها المالي شهد تباُينًا حادًا؛ إذْ ارتفعت الإيرادات وصافي الدخل في منتصف عام 2022م مقارنة بالعام السابق بنسبة 36 ٪ و 15 ٪ على التوالي، وكان صافي الدخل في الربع الثاني هو الأعلى منذ أكثر من عقد حيث بلغ 7.93 مليار ريال سعودي. وارتفع متوسط أسعار المبيعات بنسبة 26 ٪، وزاد حجم المبيعات بنسبة 10 ٪. ولكن النتائج النهائية في الربع الثالث من عام 2022 م شهدت انخفاضًا ملحوظًا؛ فمقارنة بالربع الثاني انخفضت الإيرادات بنسبة 16 ٪، وتراجعت الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك والإطفاء بنسبة 49 ٪، وانخفض صافي الدخل بنسبة 77 ٪.
رغم ذلك يظل أداء (سابك) قوًيا. ورغم تحقيقنا هذا العام دخلًًا صافيًا بلغ 16.53 مليار ريال سعودي، أي أقل بنسبة 28 % مقارنة بعام 2021 م، إلا أن إيراداتنا البالغة 198.47 مليار ريال زادت بنسبة %13 عن إيرادات العام الماضي، وتجاوز حجم مبيعاتنا عام 2022 م مبيعات عام 2021 م بنسبة 9٪، وجاء ذلك مدفوعًا بمشاريع النمو، وتعزيز موثوقية الأداء، وتحسن المخزون، إلى جانب الأنشطة التكاملية مع (أرامكو السعودية).
وعلى صعيد مؤشرات البيئة والصحة والسلامة والأمن كان أداء الشركة في عام 2022 م مشجعًا، حيث حققت رقمًا يوازي الرقم القياسي الذي حققته العام السابق لإجمالي أداء الصحة والسلامة والأمن والبيئة، وتظل متجاوزة المستويات المطلوبة لبلوغ الهدف المُخطط لعام 2025 م بشأن نظام مراقبة أداء البيئة والصحة والسلامة والأمن. وأثق أن موظفي (سابك) قادرون على مواصلة الامتثال لمعايير وإجراءات البيئة والصحة والسلامة والأمن، بما يتماشى مع مكانتنا بوصفنا شركة حائزة على شهادة الريادة في الامتثال من معهد "إيثيسفير" العالمي.
كما أشعر بالاطمئنان تجاه أدائنا في التعامل مع جوانب الأمن السيبراني في عام 2022 م، حيث لم تُسجل (سابك) أي حوادث كبيرة خلال العام، حتى عندما وصل تهديد الأمن السيبراني مؤقتًا إلى المستوى الحرج في شهر مارس. وتجدر الإشارة هنا إلى إنجاز مهم آخر ذي صلة؛ هو أن فريق الأمن السيبراني في (سابك) يتكون الآن من عدد متساوٍ تقريبًا من النساء والرجال.
مرحلة جديدة من التطور
من يقرأ تاريخ(سابك) يجد العديد من الأمثلة التي انتهجت فيها الشركة خططًا واقعية لمواكبة المستقبل والتكيف المسبق مع ما يمكن أن يحمله من متغيرات. ولكي تستعد (سابك) للتغيرات المحتملة من الآن وحتى عام 2030 م، يتعين عليها الانتقال إلى مرحلة جديدة من التطور تُمكنها من زيادة حجم المبيعات وهوامش الربح في عالم يسعى إلى تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، وتصنيع كيماويات جديدة اعتمادًا على مواد لقيم حيوية أو منتجات كيميائية بلغت نهاية عمرها الافتراضي. وأرى أنه يتعين علينا الوفاء بستة متطلبات لإنجاح هذه المرحلة الجديدة من النمو.
يكمن المتطلب الأول في ضرورة تعزيز علاقتنا مع شركة (أرامكو السعودية) - المساهم الرئيس في الشركة - إذ تنطوي هذه العلاقة على العديد من أوجه التكامل والتعاون المحتملة بيننا على عدة مستويات تتجاوز بكثير القيمة المتوقعة لهذا التعاون ( 1.5 إلى 1.8 مليار دولار أمريكي سنوًيا)، والتي نتقدم بنجاح في اتجاه تحقيقها بحلول عام 2025 م. وهناك ثلاثة أمثلة من عام 2022 م تُقدم نموذجًا لما يمكننا تحقيقه معًا عبر هذا التعاون:
- إنتاج 25000 طن من الأمونيا "الزرقاء" دون إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وشحنها بنجاح إلى أحد الزبائن في كوريا الجنوبية للاستخدام المحتمل في محطات الطاقة.
- العمل على إنشاء وحدة تكسير بخاري كبيرة تعمل بالتغذية المختلطة ووحدات لمشتقات التكرير، وستكون مدمجة مع إحدى مصافي التكرير في بولندا.
- الإعلان عن إنشاء مجمع في رأس الخير يتولى يوميًا تحويل 400 ألف برميل من النفط الخام مباشرة إلى منتجات كيميائية، وهو أول مشروع من نوعه في المملكة العربية السعودية.
أما المتطلب الثاني فيتعلق بمساهمي (سابك)، فهم يتوقعون عائدًا جيدًا على استثماراتهم للمدى الطويل، ما يستلزم تنمية قدرات الشركة لتحقيق هذا العائد بطريقة تميزها عن غيرها من الشركات. ولبلوغ هذه الغاية يجب أن تستفيد الشركة بشكل أكبر من "عوامل التمكين التنافسية" الخاصة بها المتعلقة بمواد اللقيم، وانضباط رأس المال، وتكلفة الاقتراض، وسرعة الوصول إلى الأسواق.
المتطلب الثالث هو الحاجة إلى زيادة تركيزنا على هدف الحياد الكربوني والاقتصاد الدائري وجميع العوامل الأخرى المتعلقة بالاستدامة، التي تحدد أداءنا على مستوى الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات؛ فمن خلال الإلمام بجوانب هذه الممارسات في أداء أعمالنا سنتمكن من تطوير مجموعة من خيارات النمو التي تتماشى مع جوانب مختلفة من الاستدامة.
وقد أثمرت جهودنا للنهوض بالاستدامة من خلال أداء الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، حيث أحرزنا مؤخرًا، وللمرة الثانية على التوالي، جائزة "الأفضل في الممارسات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات" في منتدى السوق المالية السعودية. وهناك أمثلة أخرى تبرر جهودنا في هذا المجال منها ما يلي:
- بدأنا بالتعاون مع شركتيْ (ليندي) و(باسف) إنشاء وحدة تكسير بخاري كبيرة الحجم تُسَخَّن كهربائيًا هي الأولى من نوعها في العالم، وتعد عملياتها من أكثر عمليات الإنتاج كثافة في استهلاك الطاقة بصناعة البتروكيماويات، وعند استخدامها للكهرباء المتجددة عوضًا عن مواد اللقيم التقليدية، فإنها ستحقق خفضًا بنسبة 90 ٪ على الأقل في انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون..
- أطلقنا مشروعًا تجريبيًا حول إمكان استخدام تقنية (بلوك تشين) لدعم عمليات التتبع الشامل لمواد اللقيم الدائرية في منتجات الزبائن.
– بدأنا عام 2023 م التزامًا عامًا بالعمل على تصنيع ما لا يقل عن مليون طن متري سنوًيا من منتجات باقتنا (تروسيركل TM ) من مواد لقيم حيوية أو معاد تدويرها بحلول عام 2030 م
المتطلب الرابع هو التعاون، الذي تحتاج (سابك) إلى التركيز عليه بشكل أكبر في مرحلة نموها الجديدة، ولا شك أنها تدرك فوائد التعاون الكثيرة بشكل عام، لكن المرحلة الحالية تتطلب منها توجيه جهودها التعاونية بشكل خاص نحو الشراكات الاستراتيجية التي تمكنها من تحقيق أداء أفضل في إدارة المخاطر المتعلقة بتأمين رأس المال والتقنيات والمعارف وميزات الوصول إلى السوق.
أما المتطلب الخامس والأقرب إلى نفسي فيتعلق بموارد (سابك) البشرية، حيث تدرك الشركة أن تحقيق طموحاتها يعتمد بشكل أساس على إكساب موظفيها المهارات والقدرات المناسبة، وتكثيف برامجها الشاملة لإثراء التطور المعرفي الذي يمكنهم من التعامل السريع مع تحديات اليوم والغد؛ الأمر الذي يتطلب إعادة تركيز مبادراتنا الحالية لتحسين الأداء وتنشيطها. ونهدف في الوقت نفسه إلى إنشاء ثقافة تُكافئ الأداء العالي، وتستثمر في التدريب، وتغرس قيمًا قوية حول الشمولية والتنوع والنزاهة.
ويتعلق المتطلب السادس والأخير بالمنظومة الكاملة لعوامل النمو التي أقترحها؛ فالتغيرات الكثيرة المحتملة في الأصول والبنية التحتية للعديد من المناطق تستوجب منا تهيئة المناخ المعزز لريادة الأعمال، بما ييسر التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة في قطاعي الطاقة والكيماويات. وفي ظل التغير التقني والجيوسياسي والمجتمعي السريع الحالي، يمكن لمنظومة ريادة الأعمال أن تُفيد حتى الشركات الكبرى الراسخة -مثل (سابك)- التي تعمل ضمن اقتصاد قوي مثل اقتصاد المملكة العربية السعودية؛ وذلك من خلال أدوات التواصل البناءة التي توفرها.
الانسجام مع أهداف المملكة:
تضطلع (سابك) بدور أساسي في منظومة قطاعي الطاقة والكيماويات بالمملكة العربية السعودية، ما يهيئ لها تحقيق الريادة على مستوى صناعة الكيماويات الأساسية في إطار أهداف (رؤية السعودية 2030 م)، ويجعلها تحرص على الإسهام في "مبادرة السعودية الخضراء" كما أعْلِن مؤخرًا على هامش مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27).
وبالتعاون مع الشركاء الحكوميين والصناعيين، ستساعد خريطة طريق (سابك) الخاصة بتحقيق الحياد الكربوني على إزالة ما يُعادل أكثر من 17 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من الانبعاثات التي تصل الغلاف الجوي سنوًيا بحلول عام 2035 م.
كذلك تتخذ (سابك) خطوات فاعلة لتعزيز الاقتصاد الدائري في سلاسل القيمة الخاصة بها في المملكة العربية السعودية؛ من خلال تصنيع منتجات جديدة من البلاستيك المستعمل مباشرة أو من نفايات البلاستيك التي يتم تحليلها كيميائيًا؛ فعلى سبيل المثال نتعاون حاليًا مع بعض الشركاء لصنع أول منتجات دائرية معتمدة من البوليمرات في الشرق الأوسط باستخدام النفايات البلاستيكية المختلطة.
على صعيد آخر، يواصل برنامجنا (نساند™) دعم جهود التنمية المستدامة على نطاق أوسع داخل المملكة العربية السعودية، وتعزيز التنوع الاقتصادي من خلال توطين صناعة المنتجات السلعية وتوليد الفرص الوظيفية. وقد وفر البرنامج عام 2022 م أكثر من 7000 فرصة عمل وساهم بنحو ثلاثة مليارات ريال سعودي في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، فيما بلغ الإجمالي التراكمي للأرقام التي حققها (نساند™) منذ إنشائه عام 2018م 19416 فرصة عمل، و(12) مليار ريال سعودي مساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.
وعمل (نساند™) عبر برنامجه لدعم الزبائن على تحفيز المصنعين المحليين في سلسلة إمدادات (سابك) لإنتاج السلع التي تستوردها حاليًا بكميات كبيرة من الخارج.
ولا تقتصر مسؤولية (سابك) الاجتماعية على أعمالها في المملكة العربية السعودية فحسب، بل تمتد لتشمل جميع المناطق التي تمارس فيها أنشطتها. ويتضمن برنامج المسؤولية الاجتماعية في الشركة فعاليات متشعبة ومتنوعة بجميع أنحاء العالم، بما في ذلك التبرعات الخيرية، ورعاية الأحداث والفعاليات، والشراكات، والخدمات التطوعية.
يركز البرنامج على أربع أولويات:
– المياه والزراعة المستدامة
– حماية البيئة
– التعليم في مجال العلوم والتقنية
– الصحة
وقد بلغت القيمة الإجمالية لاستثمارات (سابك) في برامج المسؤولية الاجتماعية عام 2022 م ( 28.9 ) مليون دولار أمريكي شملت عددًا كبيرًا من المستفيدين في 20 دولة.
نمو وريادة:
تتصاعد وتيرة التغيير في العالم حولنا، وتتصاعد معها جهود (سابك) لبناء أسس قوية تعتمد على قيمها الأساسية التي تركز على التحفيز والمشاركة والابداع لتُمكنها في النهاية من إنجاز خدمات تكسب رضا الزبائن، لا سيما أن هذه الأسس هي التي ستمكن الشركة من مواصلة مسيرتها التنموية.
اعتادت (سابك)- منذ تأسيسها عام 1976 م- تحويل التحديات إلى فرص للنمو المستدام، وحفلت مسيرتها بالكثير من التجارب الناجحة التي يمكن البناء عليها واستثمارها. وإذا كانت قد قضت ستة وأربعين عامًا من الإنجازات والنجاحات الباهرة، فإن ذلك يحثها على استشراف المستقبل برؤى سديدة، وأن تكون مستعدة تمامًا ودومًا للتعامل مع تقلبات الاقتصاد العالمي، والتركيز على إعادة تشكيل سلاسل القيمة لمنتجاتها في إطار دائري صديق للبيئة.
لذا تحرص الشركة على تعزيز أسس أعمالها من أجل تطوير منتجاتها وأنشطتها، وتنمية مهارات وقدرات ثروتها البشرية وعناصرها القيادية استباقًا لما قد يجلبه المستقبل من متغيرات. وسوف نكثف الجهود لتحقيق النمو والريادة، وعندما ننجح، لن يكون هناك مجال للشك في أن (سابك) ستصبح بتوفيق الله (الشركة العالمية الرائدة المفضلة في مجال الكيماويات).